قراءة في رواية الكاتب السوري حسام سفان – 75 ثانية فقط
في هذه الرواية الصادرة في المملكة العربية السعودية عن دار إرفاء للنشر والتوزيع، يبهرنا الكاتب بطريقة السرد حيث إنه لا يصور لنا أحداث الزلزال كما عاشته إحدى المدن (مدينة غازي عينتاب) التركية فحسب، بل ينقلنا إلى معايشة الحدث لحظة بلحظة…
فترتعش قلوبنا مع الأرض، ونشعر ببرودة الثلج من تحتنا وبلسع الريح، وتخفق قلوبنا مع من عايشه، ننتقل عبر الأمكنة من حديقة الماسال إلى مسجد الوالي، نزور الأجنحة في مشفى اليرمي بيش ومشفى حاتم، ونتوخى الحذر ونحن نمر بجانب السانكو مول، فلا يسع القارئ إلا أن يحيا ذلك الموت عبر خمسة وسبعين ثانية ألا وهي مدة الزلزال..
لكن آثاره وآثار الهزات الارتدادية لا تتوقف عند تلك الثواني التي مرت كدهر، تلك الثواني التي يهجم فيها الزلزال مثل وحش فاردا أنيابه ومخالبه، بل أطول وأعمق وأشد.. كما سنعيش في ثنايا الرواية..
ومن الجدير بالذكر أن حسام سفان كاتب مبدع، فهو لا يتوقف عند حدود المألوف بل إنه يبدع أساليب تعبير عديدة، إذ إنه اعتاد على أن يبدع مسارات جديدة في التعبير والبناء والشكل تمكنه من الخوض عميقًا في قضايا ليس من الهين طرحها.
ولعل هذا الشكل الانفجاري يحمل أكثر من دلالة وينم عن وعي متزايد بقيمة الرواية، بتعبير بول ريكور، على طرق شواغل إبداعية جديدة ومتجددة. فهو يعي أهمية السرد في نقل الأحداث والوقائع وتخصيبها بما هو تخييلي، بوصفها أفقًا مفتوحًا على حوامل دلالية كبرى، وارتباطها العميق بنبض المجتمع وشواغله إلى درجة التماهي والانصهار في بوتقة المعرفة بكل تجلياتها وأطيافها.
ومن الناحية الشكلية، لا يقف عند اللغة الشعرية التي هي إحدى سماته السرية، بما تحمل من فيض مشاعره، وصوغها من فيضه الإبداعي بلاغيًا وفلسفيًا، حتى تبدو عميقة وشفافة تأسر القارئ فلا تمنحه فرجة للاستراحة.
فهو كما عهدته في الروايات التي قرأتها له سابقًا والتي كانت إحداها مادة لأطروحتي في الدكتوراه (فصول من سيرة صاحب الكرامة)، يبدع صورًا فنية مذهلة تنساب كالنهر في ثنايا سرده الروائي، بل يبدع في استخدام المانشيتات والأخبار الصحفية والصور لتكون مكملاً للسرد الروائي.
وليس ذلك فحسب، بل إن الصورة الفنية لدى السفان تنبع من ثقافة غزيرة في المجالات كافة: الفلسفة، والعلوم، والتاريخ، والطب، والهندسة، وغيرها من العلوم والثقافات، مما يجعل لغة السفان ليست لغة ممتعة فحسب، بل ثرية ومفيدة في الوقت نفسه.
ولا يمكنني القول بعد الانتهاء من قراءة هذه الرواية إلا أنها رواية عالمية، فقد أبدع السفان في اقتناص الحدث والتعبير عنه، ولقد استخدم الإدهاش في العديد من المرات، من حيث الشخصيات ومآلها والحبكة وتوجهها، لكنني سأكتفي بهذه اللمحة الخاطفة على أسلوب الرواية شكلًا ومضمونًا، كي لا أُفصح عن أسرار الرواية، حتى لا أُفسد على القارئ متعة القراءة…