
دم الغزال
:
رواية تجريبية تتحدى، من خلالها، الكاتبة الأعراف السردية إذ لا تقوم بقتل الشخصيات بل تهدمها من الأساس؛ فالرواية خالية من الشخصيات تمامًا، ولكنها تتخذ من حادثة بسيطة في عالم الحيوان، حادثة متكررة عبر الأزل، ألا وهي حادثة اقتناص الأسد لغزالة شاردة، بيد أن الكاتبة تحول هذه الحادثة العرضية إلى حدث جوهري تبني عليه روايتها، وتجعل هذا الحدث يستنزف وجدانها، فتسرد عن طريق خاصية تيار الوعي العديد من الأحداث، التي تستنطقها حكمة فتُسْقِطُ الأحداث والخبرات والتجارب الإنسانية الأليمة على هذا الحدث. أما فيما يخص الحدث فإنها تمنح الغزالة إرادة مغايرة لإرادة القطيع؛ فالغزالة ها هنا ترفض الاستسلام لقدرها كما يفعل عامة القطيع عادة، وتقرر النجاة، فتهرب..
ولأن الغزالة علميًا أسرع من الأسد، ولأنها تمتلك قلباً أكبر وأقدر على الجري لمسافات اطول مما يمكن للأسد أن يفعل فإنها ستنتصر عليه في النهاية لنقف أمام حقيقة تتكرر لا في عالم الحيوان فحسب، بل عالم الكائنات الحية جميعًا بما فيها الإنسان أن الهزيمة تنبع من داخل المرء والنصر كذلك؛ فالكثير من الهزائم كان يمكن لها أن تكون انتصارات لولا استسلامنا، وهو بالطبع ما تقوله الغزالة وتحاول تعليمه للأجيال القادمة، وهي تقف عند جثة الأسد النافق، الأسد الذي رفضت أن تنهش لحمه بعد أن سقط وعافته إلى أغصان الأشجار؛ فالقوة الحقيقية ليست في ان تنهش لحم الآخرين وتريق دماءهم، بل بألا تستسلم للوحش، وأن تحاول أن تعيش؛ فالكثير من الذين لا يؤذون الآخرين لا يفعلون ذلك ليس بسبب عجزهم عن فعله، بل لأنهم يانفون ذلك.
رواية دم الغزال رواية تفيض بعذوبة البلاغة وانسيابية الأفكار التي يفيض بها تيار الوعي، كما أنها أرض خصبة أسقطت عليها الكاتبة أفكارها الفلسفية، وآراءها في الكون والحباة والتاريخ والمنطق.